أعمدة الرأي
أخر الأخبار

صَابِنّها / الحَربُ لهبها وجهلها!! / محمد عبد الماجد

الحَربُ لهبها وجهلها!!
من بين الحِكم التي خرجت بها من هذه الحرب اللعينة، إنّك (لا يكفي أن تعرف كيف تختار صديقك.. قوتك وقرارك وعزتك، وفطنتك تتجسّد في أن تعرف أيضاً كيف تختار عدوّك)!!
قبل أن تختار صديقك.. اختار عدوّك.
وفي حِكمنا السودانية (الرفيق قبل الطريق).. و(الجار قبل الدار).. كل هذه الأمثال والحِكم تعني بالفعل قبل الأصل ،والمجرور قبل الجار والمضاف، قبل المضاف إليه، والوسيلة قبل الغاية.
ولكن هل ندرك ذلك؟
العقلية التي نُفكِّر بها لا تُوصِّلنا (كوبري شمبات)، في الوقت الذي وصل فيه غيرنا إلى (القمر).
السودان أسّس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، وفاز المنتخب الوطني ببطولة الأمم الأفريقية عام 1970م، ويُعتبر اليوم عبورنا لكوبري المنشية (إنجازاً)!!
خطأنا أنّ الذين يُفكِّرون لنا بلا فكر.. ولا أعرف الذنب هنا يعود إليهم أم يعود إلينا؟
لا شك أنّنا شركاءٌ في هذا الذنب، والأكيد أنّنا نسأل عن هذا الذي أوصلنا إليه.
تخيّلوا إنّنا ما زلنا نجد كل المَشَقّة في الوصول للكلاكلة!! هل تتخيّلوا أنّ عودة التيار الكهربائي أضحت تمثل لنا قمة (الترف)!!
قد يقول قائلٌ منكم لتبرير فلسفة الحرب، إنّك لن تتجاوز (الوحل) إلا إذا خُضت فيه، وهذا تبريرٌ مُخلٌ ومُجحفٌ، خاصّةً إذا كان يمكن أن تتجاوز (الوحل) دون أن تخوض فيه.. العلم والمنطق والعقل والتكنولوجيا جعلت ذلك مُمكناً.. ما نأسف له أنّ السُّودان الآن يخوض الوحل أو يخوض الحرب بالوكالة أو لصالح آخرين!! وندفع الثمن من دماء هذا الشعب ومن أمنه واستقراره!!
قوة الهلال في قوة المريخ، وحلاوة التنافس بينهما تتمثل في قوة الند الآخر.. هذه هي الخصومة أو العداء إن جاز لنا أن نقول ذلك.. تلك هي الخصومة التي نحترمها ونُقدِّرها.
التنافس يجب أن يكون بالعطاء والتقوى، لا بالمدفع والدبابة.
وما يُقال عن الهلال والمريخ يُقال عن ريال مدريد وبرشلونة وهكذا (دواليك).
العدو الصغير لا يضيف لك شيئاً، وإنّما يضيف لنفسه، عندما يشتبك معك ، وعندما أتحدّث عن (الصغر) هنا لا أقصد العداد أو العتاد، وإنّما أقصد المكانة والتاريخ والإرث.
وليس عندي لكم ونحن نوشك على الدخول في الشهر الخامس لحرب السودان وسُحب دخانه مازلت متصاعدة ودوِّي انفجاراته الدائمة مستمرة مع تعدد المبادرات الدولية الفارغة، التي لا نجد منها غير (إبداء بالغ القلق) واقتراب ساعة الحسم المزعومة!! ليس عندي لكم أفضل من أن (أتمردغ) لكم في المقولة الفرنسية الذائعة الصيت (كلّما تغيّرت الظروف، بقي الحال على ما هو عليه).
(plus cachange , plus cest la meme chose)
ونحن هكذا تماماً.. كأن العبارة الفرنسية خلقت لنا، أو جاءت على هذا النحو لتكون على قياسنا تماماً.
نعم تتغيّر الظروف وتتعدّد المبادرات ويحدث تقدمٌ في أرض المعركة أو تراجع، ويبقى الحال على ما هو عليه.
(4) أشهر والحال على ما هو عليه، ولا شئٌ غير سُحب الدخان المتصاعدة!!
أعادونا هؤلاء وهؤلاء جملة إلى عصر الجاهلية، وأعادوا علينا ما كان يفعله كفار قريش في صحابة رسول الله صلى الله عليه وهم قلة، مستضعفون في الأرض، عندما كانت توضع الصخرة الكبيرة على صدر سيدنا بلال بن رباح رضي الله عنه، وهو لا يتفوّه بغير (أحد أحد)،. ونحن الآن نقول نفس العبارة في هذا الضيق (أحد أحد)، في الجانب الآخر من فلاء قريش، كان قَتَلَة قريش وجبروت كفارها (بجهلها ولهبها) يجتمعون كلهم على عذاب أسرة آل ياسر حتى قال لهم سيد البشرية ومن بعث رحمة للعالمين: (صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة). ليس بيننا بلال أو عمار رضي الله عنهما.. وقد تكسّرت النبال على النبال وأبو لهب يعود من جديد وأبو جهل يرجع، غير أن الذي سوف يعصمنا منهم أن بيننا أبرياء، ومعنا نساء وأطفال ينتظرون رحمة من في السماء بعد أن يئسوا من رحمة من في الأرض.
الأستاذ محمد عشري الصدّيق نُشرت له مقالة تحت عنوان (ما وراء الأفق)؟ في العدد (818) من جريدة (حضارة السودان)، قبل (93) سنة، حيث صدر ذلك العدد في 30 أكتوبر 1929م، انظروا ماذا قال هذا الرجل قبل أكثر من تسعين عاماً وقبل أن ينال السودان استقلاله بـ(26) سنة.
كتب عشري: (فنحن في حاجة إلى الأدب الصادق البسيط المعقول.. ونحن في حاجة إلى نظر جديد ننظر به إلى الشرائع والآداب والفلسفة والأديان وإلى كافة الشؤون، ونحن إلى الآن لم نكن أمة كما يقول لنا الكثيرون من الغربيين، ولا تزال بلادنا مجهولة لدى العالم.. ولا نزال فقراء في الروح مهازيل مسنّين عجافا، جائعين، ضائعين بلا مال أو كيان.. ولا يزال عُظماؤنا هم عُظماء الفتك والحروب والتدمير، فلا شاعرٌ ولا فيلسوفٌ ولا كاتبٌ ولا فنانٌ ولا مُصلحٌ يلاقيك في تاريخ هذه البلاد، وليس بيننا من يعدّ من رجال العلم أو من رجال العمل، وليس للسلم عندنا انتصاراتٌ كما للحرب، وأرضنا سهلة واسعة جدباء ليس عليها من آثار العبقرية والنبوغ إلا النُّذر اليسير).
إنّي أعيد لكم هذا الكلام حتى تستطعموه وتدركوا أزمتنا الحقيقيّة وأصلها، بدلاً من التراشق والوقوف عند شكليات وقشور، دون التعرُّض أو الوصول لأُس الأزمة: (ولا يزال عُظماؤنا هم عُظماء الفتك والحروب والتدمير، فلا شاعرٌ ولا فيلسوفٌ ولا كاتبٌ ولا فنانٌ ولا مصلحٌ يُلاقيك في تاريخ هذه البلاد، وليس بيننا من يعدّ من رجال العلم أو من رجال العمل، وليس للسلم عندنا انتصاراتٌ كما للحرب).
وردي كان يغني (في حضرة جلالك يطيب الجلوس) وهو يغني للوطن.
وكابلي يغني (القومة ليك يا وطني).
ولا أحدٌ الآن يقوم للوطن أو يجلس له.. وإن كنا لا نسقط دماء أبناء القوات المسلحة الغالية، ولا نجهل قيمة الدماء السودانية عامة…فهي في تودي فريضة القيام (صفا وانتباه) للوطن.
إنّنا نكبر جسارة الجندي السوداني وتضحياته وندرك غلاء هذا الدم، لذلك نقول: لا للحرب.
لن ننسى لكم هذا.. اختلافنا ونقدنا يبقى لمن ساقوا البلاد الى تلك التهلكة وجرّوها إلى الضياع وهم يزكون في نار الحرب الآن بشعارات كاذبة.
الانتصارات الحقيقيّة تحقق في (السلم)، انتصارات (البندقية) لا تختلف كثيراً عن خسائرها.
ما قيمة الانتصار إذا كان على حساب البنية التحتية وحياة الناس وأمن الوطن والاستقرار؟!!
ماذا يبقى من الوطن إذا كان الرهان الآن على زواله؟ المدينة الرياضية ظلّت معلقة دون أن نعرف إكمالها أكثر من ثلاثين عاماً.. فشلنا في بنائها كل هذه المدة، ونجحنا في هدها وتدميرها وهدمها في (24) ساعة!!
كنت أعجب من تصريحات الدعم السريع وقياداته عندما قالوا إنّ هذه الحرب من أجل الديمقراطية والحرية والمدنية، وكل هذه الأشياء لا تُحقّق بالبندقية والدم، ولا يُمكن أن نصل إليها بالدمار والخراب!!
عن أيّة حريةٍ تتحدّثون وأنتم تُخرجون الأُسر والنساء من بيوتهم؟ ،فقد المواطن حريته في بيته !! وأيّة (مدنية) ننتظر إذا كانت (السّيّارات) تُنهب من أصحابها غلابة؟ لتتحول من سيارات (مدنية) الي سيارات (عسكرية).
الحرية لا تعني الفوضى.
لا تلوِّثوا الديمقراطية بهذا الغطاء.
عودوا جميعاً إلى ثكناتكم يرحمكم الله.. فقد فشلتم حتى في (الحرب) وهي من صميم تخصصكم، هل يمكن أن تنجحوا في السياسة والاقتصاد وأنتم لا تفقهون فيها شيئاً، ولا ناقة ولا جمل لكم فيها؟
النمو والمدنية والديمقراطية والتطوُّر لا يُمكن أن تتحقّق عن طريق (البندقية).
انظروا إلى وضعنا الرياضي.
الهلال سوف يلعب مباريات أرضه في المغرب، وربما يلعب المريخ مبارياته في الكونغو، ويلعب حيدوب في إثيوبيا.. كنا في الموسم السابق نتحدّث عن عدم صلاحية (الملعب)، الآن نتحدّث عن عدم صلاحية (وطن)!!
يا للعار…!!
نقلت الحكومة السعودية الدوريات الأوروبية إلى أراضيها، وأنديتها تتعاقد مع رونالدو وبنزيما وكونتي ورياض محرز وماني . ونحن حكومتنا كانت سبباً في أن تحرمنا عن الهلال والمريخ.. عن الغربال والتش، ليتسوّلوا ملاعب الآخرين رجاء!!
الحكومة السودانية ونحن في هذه الظروف، ومُوظّفوها منذ أكثر من أربعة أشهر لم يصرفوا رواتبهم، والبنوك والصرافات الآلية مُعطّلة في العاصمة، مع ذلك ومع أن كل شئ متوقف، قرّروا أن يزيدوا (الوقود)، في الوقت الذي تشتعل فيه الخرطوم وولايات دار فور.. نعم إنّهم بلا حياء أعلنوا عن زيادات في أسعار (المحروقات)، والسُّودان يشتعل، يقابله تخفيضٌ هائلٌ في سعر (الدم) السوداني.
أرخص شئ في هذا الوطن (الدم)!!
جبريل إبراهيم لا يتخلى عن طبيعته في زيادة الأسعار حتى في الحرب!!!
……
متاريس
الانتصار الآخر هو أن لا تتوقّف الحياة في السودان.
الدوري الممتاز السوداني يجب أن يلعب في كوستي أو عطبرة أو مدني أو بورتسودان أو القضارف أو شندي او دنقلا.
و يمكن أن تُوزّع الأندية على أربع مدن، يتأهل أول كل مجموعة ليلعبوا دورة مجمعة من أجل اللقب. أما الأربعة الذين يحتلون المركز الأخير يلعبون دورة مجمعة في مدينة أخرى ليهبط منهم فريقان.
هذا الوضع يُمكن أن يُقلِّل الضغط على الملاعب أو المدينة إذا لعب الدوري في مدينة واحدة.
مدن الولايات الآن فيها حِراكٌ ونشاطٌ اجتماعيٌّ واقتصاديٌّ كبيرٌ، وهم في حاجة إلى نشاط رياضي.
الهلال يلعب تجربته الأخيرة في تونس أمام الأفريقي قبل المُغادرة إلى المغرب.
معسكرٌ إعداديٌّ ممتازٌ.. وتجارب مفيدة في ظروف صعبة.
عليكم الله (الأجواء) دي أجواء حرب؟
حرام عليكم…
اللهم أحفظ السودان وأهله.
سوف تشرق ولو بعد حينٍ.
….
ترس أخير: نسيت أقول ليكم.. واللّا خلُّوها المرة القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: عذرا.. النسخ ممنوع