أعمدة الرأي

صابنها/محمد عبد الماجد/أول أغسطس في منتصف سبتمبر

يعزّ عليّ ونحن في هذه الظروف أن أكتب عن الهلال، لكن (الزول بونسوه بي غرضو).. كان عندنا زول في غرفة الإنعاش في غيبوبة تامة، بفتح عينو كل (11) يوماً يسأل عن نتيجة مباراة الهلال ويرجع لي غيبوبتو تاني.. ما بزيدها كلمة.. يسأل من النتيجة ويرجع تاني.
أولاده معاه في الغرفة، كانوا وقت يكونوا عاوزين يصحصحوه بقولوا ليه: الليلة الهلال يا حاج غالب أربعة.. يقوم يقعد على حيلو، يصنقِّر في نص السرير مثل (الهمزة على نبرة)، يشرب ليه (كورية لبن) ويضحك من الأضان للأضان.. زوجته وقت تشوفو في الحالة دي بتقول ليه: إنت يا راجل وقت شديد كدا، قاطع قلبنا مالك؟ أولادك ما ناموا الليل واقفين في رأسك متل (القطر) وقت يقيف في (الصانفور) الخارجي.. الراجل بقول ليها: الله يدّي الهلال العافية وينصره في أي أرض وتحت أي سماء، ويجبِّد (البطانية) وينوم..!
اكتب اليوم عن الهلال بعيداً عن (شد المشابك) و(سلك الغسيل)، وذلك لأنّ كل من التقِي به أو يُحادثني هاتفياً، يسألني عن أخبار الهلال والكورة كم؟ والمباراة متين؟ ومحمد عبد الرحمن عمل شنو؟ وموضوع ليليبو وصل وين؟ حتى إني أكاد أن أظن من جرّاء شغفهم بالهلال أنّ هذه الحرب التي تدور في الخرطوم ودارفور يُدار رحاها في روسيا أو أستراليا.. ما في (خشم الباب)!!
أقر واعترف أنّ بعض الأخبار أعرفها منهم وهم يسألوني عنها.. ديل عارفين أي شيء.. إنّ عشقهم للهلال يبقى حتى وهم في هذه الظروف الصعبة يتابعون الهلال ويُلاحقون أخباره بحب يصل مرحلة الهوس..!
لا يغيب الهلال عن بالهم أبداً.. الهلال حاضرٌ في كل أوقاتهم.
وهذا أمرٌ يحسب للهلال، القادر على أن ينسيهم أوجاعهم وأحزانهم.. وأن يكون شاغل أفكارهم ومصدر سعادتهم.. الهلال بطلِّعنا من حالة وبدخِّلنا في حالة.
الأزرق قادرٌ أن ينشلهم من واقعهم، نحن بنراهن على (الفرح) في أصعب الأوقات.
ما عندنا (قشّة مُرّة)، وغير قابلين للانكسار.
العواصف تزيدنا قُـوةً وتحدياً.. ما بنقيف في الحاجات البتسد النفس بي (ترباس)، أو بالعود الكبير.
إنّـه الهلال يا سادة في حضرته نكون بذلك البهاء والشموخ الذي لا ينكسر ولا ينتهي.. بنبقى طالعين من عِلب الشوق وشايلين المَحَنّة (شتول)، وباقات زهور، وزهرة الأغاني.
نشأنا في بيئة تقصد ذلك، فقد كان كبارنا بين الناس عندما يشتد عليهم العطش بطلبوا موية (زرقاء)، وكنا إذا أردنا أن نرفع من مقام شخص نقول عنه قلبه (أبيض).. هكذا هي حياتنا نشغلها باللونين الأزرق والأبيض حَـدّ (العشرقة).
السماء عندما تكون صافية بتكون (زرقاء) لا يصيبها (العكر) إلّا إذا أحمرّت أو اصفرّت!!
نحن من جيل يمثل عندنا الهلال، الصحة والعافية والسلام والأمان، وراحة البال، والفطير باللبن والقراصة بالسمنة، والعودة للبلد، ومشوار العصاري، وقهوة الصباح، وجلابية العيد، وجواب من العزيز الغائب، ورنّة الربابة وصوت النقارة.. هكذا قُمنا فورثنا ذلك من أسلافنا.
مباراة الهلال بكتبوها لينا (روشتة).. الصديق عصام السنوسي اشترط عندما تزوّج أن يكون عقده في يوم الهلال ما عندو فيه مباراة، وعندما سافر لشهر العسل اشترط وجود قناة قوون في شقّته عندما كانت قناة قوون تنقل الدوري الممتاز، وهو حتى يومنا هذا يُعلِّق كل مشاركاته في المناسبات وسفرياته يوم مباريات الهلال..!
السنوسي عندما أهاتفه هذه الأيام بقول لي البلد دي من غير الهلال بتبقى زي خبر الوفاة الجديد.
بسكت ما بقول ليه حاجة.
أقول ليه شنو عاد؟
وجدنا أهلنا ومعارفنا يتحدّثون عن (جكسا) والدهشة مازالت باقية في أفواههم، مثل (كراسات الإملاء) في تربيزة أستاذ اللغة العربية، أو مثل (ستائر العيد) تظل الموضوع الرئيسي قبل العيد، حتى إذا ثبت العيد ثبتت (الستائر) على النوافذ والأبواب..!
مازلت أذكر أنّ (دهشتهم) كانت تتقافز على شفاههم مثل (القطط) في رأس البيت وقت يجيبوا ليها سيرة (ريحة السمك)..!
والريحة تشم ولا تسمع ولكن في هذا المقام تأتي مع السيرة.
والله قادر.
في ناس لمن يحكوا ليك عن (السمك) بتشم ريحتو.. كيتاً على (العدس) وأنصار حزب (البوش) ورابطة (البامية المفروكة).
من قوة إعلام الهلال وجماهيره أنّ هدف جكسا الذي أوقف به الهلال مُتواليات انتصارات المريخ على الهلال أصبح أخلد وأعظم من انتصارات المريخ الثمانية، حتى إنهم جعلوا (حلاوة المولد) باسمه وهو يُسجِّله في شِباك المريخ ليلة المولد.
الهلالاب ديل فيهم حاجة لله.
أهلنا مازالوا يُحدِّثونا عن محمد حسين كسلا زي (موية رمضان) وكأنّهم يعزفون السيمفونية الخامسة لموزار.
الذين لم يشاهدوا الكرة وهي بين أقدام محمد حسين كسلا عليهم الاستماع إلى محمد وردي في (المستحيل) مساءً أو (خاف من الله) صباحاً.. وفارق التوقيت هنا قصدنا منه مراعاة حالة المستمع ووضعيته عند الاستماع..!
في ذاكرتي هدف والي الدين رحمة الله عليه في شِباك المريخ من الزاوية التي لا تتوفر منها الرؤية، ناهيك عن التسجيل..!
والي الدين ممكن يجيب ليك هدف من وراء المرمى.
بشة كان لو لاقى المريخ في (مركب) بسجل فيه.
ومهند الطاهر من أيِّ حتة بسجل في المريخ، إن شاء الله من بيتهم، وما عندو كبير في المرمى حتى لو كان من يقف بين الخشبات عصام الحضري الذي جاء للمريخ بعد أن فاز بجائزة أحسن حارس في بطولة الأمم الأفريقية في ثلاث بطولات مُتتالية..!
مهند الطاهر سجّل من خارج خط 18 في مرمى الحضري.. الحضري قعد يكورك في بلّه جابر..!
مهند كرّر نفس الهدف تاني في الحضري.. الحضري اتلفت يمين وشمال وقعد يكورك في موسى الزومة، رغم أنّ الزومة وقتها كان في الكنبة، أو هكذا أظن.. وبلّه جابر والزومة ولا عندهم ذنب..!
جمهور الهلال عندما اتسجل خليفة في الهلال كان بكورك في كامبوس يا كوتش طلِّع خليفة، وخليفة بكون وقتها قاعد في الكنبة أو بكون ما لابس أساساً مع الفريق إلى أن جاء خليفة وأصبح النجم الأول في الهلال في وجود البرنس وبشة ومهند ومساوي..!
بالمناسبة خليفة دا كان لاعب ما ساهل.. سجّله صلاح إدريس في الوقت الذي كان الجميع يعترض عليه بما في ذلك إعلام الهلال.
وبما أنّنا نتحدّث عن ذاكرة الأهداف، فإنّي لا أستطيع أن أنسى هدف إمبيلي في شباك أول أغسطس الأنغولي بس جيتوني في حتّتي..!
هدف من ثلاث لمسات من المعز محجوب إلى هيثم مصطفى إلى إمبيلي.. الذي كسر بمدافعين اتنين وسجّل في مرمى الفريق الأنغولي.. من القوون للقوون.. هدف أسرع من تحويل الرصيد.. أيام كانت الشبكة سمحة.. صورة حارس أول أغسطس لسه في ذهني.. ممكن أرجع للهدف في اليوتيوب لكني أحفظه في الذاكرة الشخصية.
حارس أول أغسطس كان يلبس فانلة بيجية.. فاتحة اللون بعد الهدف أصبحت (داكنة) والحارس يرفع اصبعيه لمدافعيه معاتباً وهو يقول لهم: اتنين.. اتنين يا مُفترين!!
الهدف جاء في الدقائق الأخيرة من عمر المباراة وهو كان الهدف الثاني للهلال الذي يكفل له التأهل لمرحلة المجموعات.
الوصول لمرحلة المجموعات كان يتم عن طريق شاق، ما زي هسع تغمض وتفتح تلقى نفسك في المجموعات.
عشنا فرحة (خرافية) في ذلك اليوم بعد التأهل لمرحلة المجموعات، وكانت احتفالات جماهير الهلال بعد المباراة في كل مدن السودان..!
هذه المباراة لم أشاهدها، إلا بعد أن عرفت النتيجة، أعصابي كانت ما بتتحمل ذلك الضغط.
أول أغسطس الأنغولي كان فريقاً برازيلياً بيلعب في البطولة الأفريقية.
تلك كانت من المباريات التاريخية للهلال التي لن أنساها وهي بالتأكيد حاضرة عند الجميع.
شوف الزمن لفّ ودوّر وجاب لينا اول أغسطس تاني.
جابوا لينا في منتصف سبتمبر.
دي شكوى جاهزة!!
المباراة ما ساهلة، والهلال يمر بظروف ليس هي الأفضل، رغم المعسكر الإعدادي الطويل.
ظروف البلد من غير شك بتأثر على الهلال، لذلك يجب أن يلعب الهلال بحذر.. مهم أن يُحقِّق الهلال نتيجة إيجابية في مباراة الذهاب، لأنّ مباراة الإياب سوف يلعبها الهلال خارج السودان وبعيداً عن جماهيره.
الحسم يجب ان يكون في أنغولا.. ونحن مع الحرب دي ما عندنا أعصاب ومحتاجين للفرح.
الهلال يمكن أن يجعلنا نحدّث الحالة، ونشم لينا شوية فرح.
….
مَتاريس
سوف أبقى على هذه المساحة مع الزميل علي عصام في الرياضة، أما السياسة فسوف نكتب فيها في موقعٍ آخر.
نحاول نطلع من الحرب شوية.
الغربال لاعبٌ مُهمٌ في الهلال، أي كلام غير كدا، يبقى غير منطقي وغير مقبول.
أبو عاقلة وصلاح عادل والصيني في وسط الهلال، مفروض يخلُّونا ما نشيل أي هَـم على الهلال ولو كان الأزرق بيلعب في الكامب نو.
الله يحفظ البلد وأهلها.
وإن شاء الله تمر الأيام على خير.
أبقوا على ثقة.
….
ترس أخير: مطر بي ريحة سمكها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: عذرا.. النسخ ممنوع